كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَا أُجْبِرُ الذِّمِّيَّةَ عَلَى اللِّعَانِ إِلًا أَنْ تَرْغَبَ فِي حُكْمِنَا فَتَلْتَعِنُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ حَدَدْنَاهَا إِنْ ثَبَتَتْ عَلَى الرِّضَا بِحُكْمِنَا.
قَالَ الْمُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَوْلَى بِهِ أَنْ يَحُدَّهَا لِأَنَّهَا رَضِيَتْ وَلَزِمَهَا حُكْمُنَا وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ- إِذَا بُتَّ عَلَيْهَا فَأَبَتِ الرِّضَا بِهِ سَقَطَ عَنْهَا- لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا حُكْمُنَا أَبَدًا لِأَنَّهَا تَقْدِرُ- إِذَا لَزِمَهَا بِالْحُكْمِ مَا تَكْرَهُ- أَنْ لَا تُقِيمَ عَلَى الرِّضَا وَلَوْ قَدَرَ اللَّذَانِ حَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا بِالرَّجْمِ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى أَنْ لَا يَرْجُمَهُمَا بِتَرْكِ الرِّضَا لَفَعَلَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ: إِنْ أَبَتْ أَنْ تُلَاعِنَ حَدَدْنَاهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا قَذَفَ الذِّمِّيُّ زَوْجَتَهُ ثُمَّ تَرَافَعَا إِلَى حَاكِمِنَا فَفِي وُجُوبِ حُكْمِهِ بَيْنَهُمَا جَبْرًا قَوْلَان:
أحدهما: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِمَا إِذَا حَكَمَ أَنْ يَلْتَزِمَا حُكْمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الْمَائِدَةِ: 49]. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمْ فِي الْحُكْمِ، وَهُمْ إِذَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ مُخَيَّرُونَ فِي الِالْتِزَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الْمَائِدَةِ: 42] فَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ، أَوْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُخَيَّرٌ فَحَكَمَ، كَانَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إِنِ اعْتَرَفَ بِالْقَذْفِ، وَكَانَ تَعْزِيرَ قَذْفٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِنَقْصِهَا بِالْكُفْرِ وَإِنْ سَاوَاهَا فِيهِ وَلَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، فَإِذَا الْتَعَنَ سَقَطَ تَعْزِيرُ الْقَذْفِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا إِنْ لَمْ تَلْتَعْنَ وَهُوَ الْحَدُّ الْكَامِلُ: جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ إِنْ كَانَتْ بِكْرًا. وَالرَّجْمُ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَوْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ مَحْدُودَةً فِي زِنًا فَقَذَفَهَا بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ بِزِنًا كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عُزِّرَ إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَعِنْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَحْدُودَةَ فِي الزِّنَا لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَسَوَاءٌ حُدَّتْ بِإِقْرَارِهَا أَوْ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَيْهَا لِثُبُوتِ مَا قُذِفَتْ بِهِ مِنَ الزِّنَا، فَصَارَ الْقَذْفُ صِدْقًا وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَحْتَمِلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لِدُخُولِ الْمَعَرَّةِ وَهَتْكِ الْحَصَانَةِ، وَالْمَحْدُودَةُ قَدْ دَخَلَتِ الْمَعَرَّةُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا دُونَ الْقَذْفِ، وَارْتَفَعَتْ بِهِ حَصَانَتُهَا فَسَقَطَ الْحَدُّ فِي قَذْفِهَا وَهَكَذَا لَوْ تَقَدَّمَ الْقَذْفُ ثُمَّ قَامَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ بِالزِّنَا، لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا، لِثُبُوتِ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ، سَوَاءٌ حُدَّتْ بِهَا أَوْ لَمْ تُحَدَّ وَسَوَاءٌ أَقَامَهَا الْقَاذِفُ أَوْ غَيْرُهُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى قَاذِفِهَا حَدٌّ عُزِّرَ، وَكَانَ تَعْزِيرَ سَبٍّ وَأَذًى لَا تَعْزِيرَ قَذْفٍ لِتَحَقُّقِ الْقَذْفِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا وَأَرَادَ أَنْ يَلْتَعِنَ فَالَّذِي رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا: عُزِّرَ إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَعِنْ، وَرَوَى الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ عُزِّرَ إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ أَوْ يَلْتَعِنُ، فَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ تَمْنَعُ مِنَ اللِّعَانِ، وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ تُجَوِّزُهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الرَّبِيعَ وَهِمَ فِي رِوَايَتِهِ، وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ هِيَ الصَّحِيحَةُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللِّعَانَ يُرَادُ لِتَصْدِيقِ الْقَذْفِ، وَقَدْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِالْبَيِّنَةِ فَسَقَطَ حُكْمُ اللِّعَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِرَفْعِ مَا أَوْجَبَهُ الْقَذْفُ، وَهُوَ تَعْزِيرُ سَبٍّ لَا تَعْزِيرَ قَذْفٍ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارِكِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ تَصْحِيحُ الرِّوَايَتَيْنِ وَتَخْرِيجُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَلْتَعِنُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ وَوَجْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَلْتَعِنُ عَلَى مَا رَوَاهُ الرَّبِيعُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ تَحْقِيقَ قَذْفِهِ بِالِالْتِعَانِ إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَأَوْلَى أَنْ يُحَقِّقَهُ بِالِالْتِعَانِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ لِصِدْقِهِ وَأَنْفَى لِكَذِبِهِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ: فَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ فِي مَنْعِهِ مِنَ الِالْتِعَانِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَهَا بِزِنًا كَانَ قَبْلَ زَوْجِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ إِسْقَاطَ حَدِّهِ بِاللِّعَانِ، فَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ، وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ فِي أَنَّهُ يُلَاعِنُ أَرَادَ بِهِ إِذَا قَذَفَ بِزِنًا أَضَافَهُ إِلَى الزَّوْجِيَّةِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً ثُمَّ أَعَادَ الْقَذْفَ بِذَلِكَ الزِّنَا، فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَلَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَنَّ رِوَايَةَ الْمُزَنِيِّ تُحْمَلُ فِي مَنْعِهِ مِنَ اللِّعَانِ إِذَا لَمْ يَنْفِ بِهِ وَلَدًا، وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ فِي جَوَازِ الِالْتِعَانِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ بِهِ وَلَدًا، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِاللِّعَانِ وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ بِهَذَا الْقَذْفِ وَإِنْ سَقَطَ حَدُّهُ بِالْبَيِّنَةِ فَلِذَلِكَ جُوِّزَ لَهُ.
فصل: فَأَمَّا إِذَا قَذَفَهَا وَالْتَعَنَ مِنْهَا وَامْتَنَعَتْ بَعْدَهُ مِنَ اللِّعَانِ فَحُدَّتْ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ بِالزِّنَا ثَانِيَةً لَمْ يُحَدَّ لَهَا؛ لِأَنَّ لِعَانَهُ مِنْهَا كَالْبَيِّنَةِ فِي حَدِّهَا وَثُبُوتِ صِدْقِهِ، وَيُعَزَّرُ تَعْزِيرَ السَّبِّ وَالْأَذَى، وَلَيْسَ لَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِالزِّنَا حُدَّ لَهَا وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الزَّوْجُ، وَكَانَ لِعَانُهُ مِنْهَا كَالْبَيِّنَةِ الْمُسْقِطَةِ لِحَصَانَتِهَا فِي حَقِّهِ لَا فِي حُقُوقِ الْأَجَانِبِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ لَمْ يَنْفِ زَوْجُهَا بِاللِّعَانِ وَلَدًا أَوْ نَفَاهُ وَقَدْ مَاتَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فِي قَذْفِهَا، وَإِنْ نَفَى بِهِ وَلَدًا بَاقِيًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، فَوَافَقَ فِي حَدِّهِ مَعَ بَقَاءِ الْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ، وَخَالَفَ فِيهِ مَعَ عَدَمِهِ، وَجَعَلَ لِعَانَ الزَّوْجِ مُسْقِطًا لِحَصَانَتِهَا فِي حَقِّهِ وَحُقُوقِ الْأَجَانِبِ كَالْبَيِّنَةِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِرِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَقَضَى بِأَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ، وَلَا تُرْمَى وَلَا وَلَدُهَا، فَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّهَا حُدَّتْ لِامْتِنَاعِهَا عَنِ اللِّعَانِ فَلَمْ تَسْقُطْ حَصَانَتُهَا مَعَ الْأَجَانِبِ كَمَا لَوْ كَانَ وَلَدُهَا الْمَنْفِيُّ بَاقِيًا، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي اللِّعَانِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيِّنَةِ، أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ عَامَّةٌ فَسَقَطَتْ مَعَ عُمُومِ النَّاسِ، وَاللِّعَانَ حُجَّةٌ خَاصَّةٌ فَسَقَطَتْ بِهِ حَصَانَتُهَا مَعَ الْأَزْوَاجِ لَا مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَذَفَهَا فَجَاءَتْ بِشَاهِدَيْنِ لَاعَنَ، وَلَيْسَ جُحُودُهُ الْقَذْفَ إِكْذَابًا لِنَفْسِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالْقَذْفِ بَعْدَ إِنْكَارِهِ، لَمْ يَكُنْ إِنْكَارُهُ إِكْذَابًا لِنَفْسِهِ فِي لِعَانِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِنْكَارِ يَقُولُ: لَمْ أَقْذِفْهَا بِالزِّنَا وَقَدْ تَكُونُ زَانِيَةً وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْهَا، فَلِذَلِكَ لَاعَنَ، وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فِي إِنْكَارِهِ فَقَالَ: مَا زَنَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ. مِثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْوَدِيعَةِ إِذَا ادَّعَيْتَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ لَكَ فِي يَدِي وَدِيعَةٌ، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ مَعِي وَدِيعَةً، فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ قَدْ أَوْدَعَهُ فَادَّعَى تَلَفَهَا قَبْلَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ فِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ: لَمْ تُودِعْنِي، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْوَدِيعَةِ قَدْ أَوْدَعْتِنِي وَتَلِفَتْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ فِي الْأَوَّلِ. كَذَلِكَ حُكْمُ اللِّعَانِ بَعْدَ إِنْكَارِ الْقَذْفِ لَا يَكُونُ مُكَذِّبًا لِنَفْسِهِ بِإِنْكَارِ الْقَذْفِ فَلِذَلِكَ لَاعَنَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، هَلْ يَكُونُ إِنْكَارُهُ إِكْذَابًا لِلْبَيِّنَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ.
أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ إِكْذَابًا لَهَا كَمَا لَا يَكُونُ إِكْذَابًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الْقَذْفَ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَأَنَا صَادِقٌ فِي أَنَّهَا زَنَتْ، فَلَمْ أَكُنْ قَاذِفًا، وَالشُّهُودُ قَدْ صَدَقُوا فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ مِنْ قَوْلِي أَنَّهَا زَنَتْ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَهَا بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَذْفٍ يَسْتَجِدُّهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ بِإِنْكَارِ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ قَدْ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ بِإِنْكَارِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَعْنَى الْقَذْفِ تَأْوِيلٌ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلِذَلِكَ كَانَ إِكْذَابًا لِلْبَيِّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِكْذَابًا لِنَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ إِلَّا بِقَذْفٍ يَسْتَجِدُّهُ، وَهَذَا هُوَ فَائِدَةُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، قَذْفُ الصَّبِيِّ لَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَا يُبِيحُ لِعَانًا؛ لِأَنَّهُ وَبِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ حَدٌّ وَلَا قَطْعٌ، فَكَذَلِكَ فِي الْقَذْفِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُؤْذِي قَذْفُ مِثْلِهِ عُزِّرَ أَدَبًا، كَمَا يُؤَدَّبُ فِي مَصَالِحِهِ، وَإِنْ كَانَ طِفْلًا لَا يُؤْذِي قَذْفُهُ لَمْ يُعَزَّرْ، فَلَوْ جَاءَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ يَجُوزُ أَنْ يُولَدَ لِمِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيهِ بِالْقَذْفِ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ قَذْفًا بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَى الْقَذْفِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَوْ قَذَفَهَا فِي عِدَّةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِيهَا فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا قَذَفَ الرَّجْعِيَّةَ فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَمْ يَسْلُبْ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ إِلَّا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ الْوَطْءِ مَا لَمْ يُرَاجِعْ.
وَالثَّانِي: جَرَيَانُهَا فِي الْفَسْخِ إِنْ لَمْ يُرَاجِعْ حَتَّى تَبَيَّنَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ هِيَ فِيمَا عَدَاهُمَا جَارِيَةٌ فِي أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالظِّهَارِ، وَالتَّوَارُثِ، وَلُحُوقِ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ فِي اللِّعَانِ، وَبِهَذَا خَالَفَتِ الْمَبْتُوتَةُ الْمَسْلُوبَةُ لِأَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَبَعْدَهَا وَمِنْ غَيْرِ رَجْعَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ قَدِ انْقَضَتْ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا وَقَفَ حُكْمُ اللِّعَانِ قَبِلَ رَجْعَتِهِ كَمَا وَقَفَتْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَلَمْ تَجِبْ قَبْلَ الرَّجْعَةِ؟ وَلَمْ يَحْتَسِبْ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ مَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ.
قِيلَ: لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى فِيهِمَا يُوجِبُ وُقُوعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِرَفْعِ الْمَعَرَّةِ وَنَفْيِ النَّسَبِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الرَّجْعَةِ كَوُجُودِهِ بَعْدَهَا، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ تَجِبُ بِالْعَوْدِ الَّذِي هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ، وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ يُعْتَدُّ بِهَا إِذَا أَمْكَنَ الْوَطْءُ فِيهَا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهَا، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَوْ بَانَتْ فَقَذَفَهَا بِزِنًا نَسَبَهُ إِلَى أَنَّهُ كَانَ وَهِيَ زَوْجَتُهُ حُدَّ وَلَا لِعَانَ، إِلَّا أَنْ يَنْفِيَ بِهِ وَلَدًا أَوْ حَمْلًا فَيَلْتَعِنَ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَاعَنْتَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ بَائِنٌ إِذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ؟ قِيلَ: كَمَا أَلْحَقْتُ الْوَلَدَ لِأَنَهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ فَكَذَلِكَ لَاعَنْتُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا إِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا كَهِيَ وَهِيَ تَحْتَهُ، وَإِذَا نَفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلَدَ وَهِيَ زَوْجَةٌ، فَإِذَا زَالَ الْفِرَاشُ كَانَ الْوَلَدُ بَعْدَمَا تَبِينُ أَوْلَى أَنْ يُنْفَى أَوْ فِي مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ تَبِينَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا بَانَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ إِمَّا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَإِمَّا بِالْخُلْعِ، وَإِمَّا بِالْفَسْخِ، وَإِمَّا بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَمْ يُرَاجِعْ فِيهِ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَصَارَتْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ بَائِنًا، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا نِسْبَةً إِلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ فَالْحَدُّ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ لِعَانِهِ مِنْهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ: لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ سَوَاءٌ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ بِهِ نَسَبًا أَوْ لَمْ يُرِدْ. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، سَوَاءٌ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ بِهِ نَسَبًا أَوْ لَمْ يُرِدْ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ- وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ-: إِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ بِهِ نَسَبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَنْفِيَ بِهِ نَسَبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، فَأَمَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، فَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ اللِّعَانِ فِي الْحَالَيْنِ بِأَنَّهُ قَذْفٌ مُضَافٌ إِلَى الزَّوْجِيَّةِ فَجَازَ اللِّعَانُ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى نَفْيِ النَّسَبِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ اللِّعَانِ فِي الْحَالَيْنِ: بِأَنَّهُ قَذْفٌ صَادَفَ أَجْنَبِيَّةً فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهُ كَالْحَائِلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ جَوَازِهِ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ فِي عَدَمِهِ، أَنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ فِي إِحْدَى حَالَتَيْنِ، إِمَّا لِمَعَرَّةٍ بِزِنَاهَا فِي نِكَاحِهِ، وَإِمَّا لِنَفْيِ نَسَبِ مَنْ لَا يَلْحَقُ بِهِ.
وَالثَّانِي: قَدْ زَالَ عَارُهَا عَنْهُ، وَلَمْ يُنْفَ وَلَدُهَا عَنْهُ، فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُلَاعِنَ مَعَ وُجُودِ النَّسَبِ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى نَفْيِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ مَعَ عَدَمِ النَّسَبِ لِزَوَالِ مَعَرَّتِهَا عَنْهُ بِالْفُرْقَةِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَيْهِمَا وَانْفِصَالٌ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمَا، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى الْبَتِّيِّ خَاصَّةً فِي عَدَمِ النَّسَبِ أَنَّهُ قَذْفٌ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ فَلَا تُلَاعَنُ مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً مَعَ وُجُودِ النَّسَبِ أَنَّهُ قَذْفٌ اضْطُرَّ إِلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَهُ؛ لَأَنَّ وَلَدَهَا يَلْحَقُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ كَمَا يَلْحَقُ بِهِ قَبْلَهَا. فَإِنْ قِيلَ: يَفْسُدُ بِأُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى نَفْيِ نَسَبِ وَلَدِهَا، قِيلَ: يَقْدِرُ عَلَى نَفْيِ نَسَبِهِ بِغَيْرِ اللِّعَانِ وَهُوَ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ فَلَمْ يُضْطَرَّ إِلَى اللِّعَانِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ.
فصل: فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ لِعَانِهِ مِنْ ذَاتِ الْوَلَدِ الْمُنَاسِبِ خَاصَّةً لَمْ يَخْلُ حَالُ النَّسَبِ اللَّاحِقِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا مُنْفَصِلًا أَوْ حَمْلًا مُتَّصِلًا، فَإِنْ كَانَ وَلَدًا قَدْ وَضَعَتْهُ جَازَ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِلِعَانِهِ، وَإِنْ كَانَ حَمْلًا مُتَّصِلًا لَمْ تَضَعْهُ فَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ مِنْهَا قَبْلَ وَضْعِهِ قَوْلَان:
أحدهما: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْ حَمْلِهَا كَمَا يُلَاعِنُ مِنْ وَلَدِهَا، لِأَنَّ مَنْ لَاعَنَ مِنْ ذَاتِ الْوَلَدِ لَاعَنَ مِنْ ذَاتِ الْحَمْلِ كَالزَّوْجِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ قَبْلَ وَضْعِهَا فَلَمْ يَقْدِرِ الْوَرَثَةُ عَلَى لِعَانِهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْ حَمْلِهَا حَتَّى تَضَعَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غِلَظًا أَوْ رِيحًا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ لَاعَنَ مِنْهُ، وَسَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنِ انْفَشَى حَدٌّ وَلَمْ يُلَاعِنْ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بِنَاءِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَمْلِ، هَلْ يَكُونُ مُتَحَقِّقًا تَسْتَحِقُّ بِهِ تَعْجِيلَ النَّفَقَةِ قَبْلَ وَضْعِهِ، أَوْ يَكُونُ مَظْنُونًا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إِلَّا بَعْدَ وَضْعِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَمْلِ، هَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ أَوْ يَكُونُ تَبَعًا.
فصل: فَإِذَا لَاعَنَ مِنَ الْمَبْتُوتَةِ لِنَفْيِ النَّسَبِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، هَلْ يَثْبُتُ بِلِعَانِهِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ- عَلَى وَجْهَيْنِ: حَكَاهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَكَذَلِكَ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ إِذَا لَاعَنَ مِنْ وَلَدِهَا. أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّهَا تَحْرُمُ بِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْمَنْكُوحَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي نَفْيِ النَّسَبِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّأْبِيدِ تَابِعٌ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ، وَهَذَا اللِّعَانُ لَمْ تَقَعْ بِهِ الْفُرْقَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ تَحْرِيمُ الْأَبَدِ، فَعَلَى هَذَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ حَتَّى لَا تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ زَوْجِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ لِيُكْمِلَ بِهِ عَدَدَ الطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمَ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ أَحْوَالِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ كَالطَّلَاقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ إِذَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الثَّلَاثَ بِطَلَاقِهِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللِّعَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْفُرْقَةِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي التَّحْرِيمِ، وَلَوْ أَثَّرَ لَكَانَ تَأْثِيرٌ فِي تَحْرِيمِ التَّأْبِيدِ أَوْلَى.